من خطبة له (عليه السلام) في الشام:

قال الإمام الصادق (عليه السلام): لما شخص أبي محمد بن علي إلى دمشق سمع الناس يقولون: هذا ابن أبي تراب!! قال: فأسند ظهره إلى جدار القبلة ثم حمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي (صلّى الله عليه وآله) ثم قال:

(اجتنبوا أهل الشقاق وذرية النفاق، وحشو النار، وحصب جهنم عن البدر المزهر، والبحر الزاخر والشهاب الثاقب، وشهاب المؤمنين، والصراط المستقيم، من قبل أن نطمس وجوهاً فنردها على أدبارها أو يلعنوا كما لعن أصحاب السبت، وكان أمر الله مفعولاً. ثم قال بعد كلام له:

أبصنو رسول الله تستهزئون، أم بيعسوب الدين تلمزون، وأي سبل بعده تسلكون، وأي حزن بعده تدفعون؟! هيهات هيهات برز الله بالسبق، وفاز بالخصل، واستوى على الغاية، وأحرز على الخطاب فانحسرت عنه الأبصار، وخضعت دونه الرقاب، وقرع الذروة العليا، فكذب من رام من نفسه السعي، وأعياه الطلب فأتى لهم التناوش من مكان بعيد. وقال:

أقلوا عليــــــــــــهم لا أباً لأبيكم           مـن اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا

أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنا           وإن عاهدوا وفوا وإن عقدوا شدوا

فأنى يسد ثلمة أخي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إذ شفعوا، وشقيقه إذ نسبوا، ونديده إذ فشلوا، وذي قربى كنزها إذ فتحوا، ومصلي القبلتين إذ انحرفوا، والمشهود له بالإيمان إذ كفروا، والمدعي لنبذ عهد المشركين إذ نكلوا، والخليفة على المهاد ليلة الحصار إذ جزعوا، والمستودع لأسرار ساعة الوداع… إلى آخر كلامه.

هذه الفقرات مقتطفات من خطاب الإمام الباقر (عليه السلام) وهو حفيد أبي تراب، وله ولأي إنسان، الشرف أن ينتسب إليه، وكلها تعنى بنشر مآثر أهل البيت، والتدليل على فضائلهم أمام ذلك المجتمع الذي تربى على بغضهم وعدائهم. فيا سبحان الله كم غرتهم هذه الدنيا الفانية وغرت أمثالهم. لكنهم فشلوا ولم يدروا لقد فضلوا جاه الدنيا على جنة الآخرة!!

وله خطبة أخرى (عليه السلام) في الشام جاء فيها:

لما حمل أبو جعفر إلى الشام إلى هشام بن عبد الملك وصار ببابه، قال هشام لأصحابه: إذا سكت من توبيخ محمد بن علي فلتوبخوه، ثم أمر أن يؤذن له فلما دخل عليه أبو جعفر قال بيده: السلام عليكم، فعمهم بالسلام جميعاً ثم جلس، فازداد هشام عليه حنقاً بتركه السلام عليه بالخلافة وجلوسه بغير إذن، فقال: يا محمد بن علي لا يزال الرجل منكم قد شق عصا المسلمين ودعا إلى نفسه، وزعم أنه الإمام سفهاً وقلة علم، وجعل يوبخه، فلما سكت أقبل القوم عليه رجل بعد رجل يوبخه. فلما سكت القوم نهض قائماً ثم قال:

أيها الناس أين تذهبون وأين يراد بكم، بنا هدى الله أولكم، وبنا ختم آخركم فإن يكن لكم ملك معجّل فإن لنا ملكاً مؤجلاً، وليس بعد ملكنا ملك لأنا أهل العاقبة، يقول الله عز وجل: (والعاقبة للمتقين) فأمر به إلى الحبس، فلم يبق رجل إلا ترشفه وحسن عليه، فجاء صاحب الحبس إلى هشام وأخبره بخبره، فأمر به فحمل إلى البريد هو وأصحابه يردوا المدينة.

 

Javascript DHTML Drop Down Menu Powered by dhtml-menu-builder.com